لا شيء يدفع هاجسَ الموت عن الخائف من المصير سوى المعنى. وقد يكون مفتاحُ معنى الحاضر معلّقًا في أفقٍ مؤجّلٍ أو في ماضٍ دفينٍ، بين طيّات كتُبٍ أو ألواحٍ أو سطوحِ حجارةٍ، ينتظر من يستنطقه. لكنْ هل يستطيع إنسانٌ واحدٌ فكَّ طلاسم المعنى أم يحتاجٌ في ذلك إلى شبكةٍ من الأعوان المخلصين تُعينه في تهجّي حروفه وتتدبّرُ أمرَه إن وجدَ نفسَه بين مطرقة السلطة وسندان الفقهاء؟
لكأنّ الشخصيّات في هذه الرواية أشباحٌ في مهبّ المعنى، تحضر وتغيب، كيفما حرّكتها رياح السرد وأسئلتُه المُضنية، فلا تبقى منها غير آثارها، وكلّ حاضرٍ ينفخ في أثرٍ غائبٍ، أليست الكتابةُ نداءً للغياب؟ ما كان لـ "زول الله" أن يروي بعضَ فصولٍ من سيرة الإنسان في هذا الوطن المنكوب لولا أختٌ في شبكة الأعوان ورّاقةٌ شَغَلَها، كما شغل الأصفياءَ من إخوانها، أمرُ حفظ الماضي خوفًا من تتار العصر. جاءت تجرّه إلى الدكّان مولودَ يومِه من جديدٍ، وقد أفلتَ من فكّ السلطة، فصار الدكّانُ مستودعَ حكاياتٍ وملتقى فنونٍ، بل غرفةَ عمليّاتٍ وتخطيطٍ، لا لمجموعة حزبيّةٍ أو طائفةٍ دينيّةٍ بل لإخوانِ صفا جُددٍ اجتمعوا على الفكر الحرّ والإيمان بالإنسان، فلم يجدوا أمامَهم من حبال النجاة سوى الرّحيل، وقد نسيتْ دارُ السلام أن تكون دارَ سلام.