اعزب خجول يبحث عن الحب

بقدر ما نرجو العثور على الحب، نخاف منه. في الحقيقة، الحب ليس مخيفًا، لكننا نخاف من كشف حقيقتنا أمام أنفسنا وأمام الحبيب، لأننا عندما نقع في الحب فنحن في الغالب سنُفصِح عن نقاط ضعفنا شئنا أم أبينا. وجودك في عَلاقة عاطفية مع أحدهم يجعل هذا الشخص مرآة ترى فيها نفسك من الداخل بوضوح، وهذا شيء رائع، فمعرفة الذات شيء على الإنسان أن يسعى إليه، لا أن يهرب منه. لكن البعض يرى غير ذلك. فقط أولئك الذين تصالحوا مع أنفسهم هم القادرون على مواجهة الإفصاح عن أنفسهم وإظهار ضعفهم بكل أريحية أمام شريك الحياة.
إنَّ أفكارنا -حسب تعريف مؤلِّفة الكتاب- هي عبارة عن سلسلة متصلة من الكلمات التي تساعد على إعطاء العالم من حولنا معنى، كما تساعدنا على فهم تجربتنا، وهي عبارة عن تعليق مستمرّ يدور داخل رؤوسنا جميعًا. الأفكار التي تراودنا ليست بالضرورة صحيحة، فهي حتمًا متأثرة بتجاربنا في الماضي، تنحاز لشيء دون شيء، وهي تفسير من ضمن تفسيرات أخرى قد تكون هي الصحيحة، لا أفكارنا. والقيم هي التي تجعل الحياة أفضل. ومن علامات النضج أن يتصرف الإنسان بناءً على قيمه التي يؤمن بها ويريد أن يعيشها، لا بناءً على أفكاره ومشاعره، فالأفكار ليست دقيقة، والمشاعر متغيرة، أما القيم فهي البوصلة التي توجّهنا خلال الرحلة حتى لا نضلّ الطريق.
يري إيكارتهول -المعلم الروحي- في كتابة «قوة الآن» أن دخولك في ثلاث عَلاقات عاطفية فاشلة أفضل بكثير من البقاء وحدك. وتتمحور وجهة نظره حول وجوب اكتشاف الإنسان لذاته ومواجهة مخاوفه وخبايا نفسه، وهذا ما تقدمه العَلاقات العاطفية. وهو لا ينكر أنك وحدك تستطيع بالطبع اكتشاف ذاتك، لكن أن ترى نفسك من خلال شريك الحياة فهذه ميزة إضافية عليك اختبارها.
ومن منظور رومانسي رقيق، ترى شانون كولاكوسكي -مؤلِّفة الكتاب- أن العثور على شريك حياة هو شيء فائق الروعة، لدرجة أنه يستحق معاناة البحث حتى تجده، وفي ذلك تقدّم كمًّا هائلًا من الطرق والوسائل التي ستفاجئك بأن العثور على الحب هو السهل الممتنع. الكتاب يقدم دليلًا إرشاديًّا خطوة بخطوة للعثور على شريك الحياة الذي يناسب كل شخص منا، بعد أن يعلِّمك باحترافيةٍ معرفةَ نفسك أولًا، وتخطّي الحواجز التي تمنعك من التحرك في طريق البحث عن الحب. فهذا الطريق مليء بالعثرات المتمثلة في القلق والخوف وعدم الثقة بالنفس والأفكار المغلوطة عن العَلاقات العاطفية التي اكتسبناها من الوعي الجمعي.
وقد اخترتُ ترجمة هذا الكتاب لأني وجدتُ فيه ترياقًا للفكر السامّ الذي اخترق عقلية الرجال والنساء في ما يتعلق بالحب والزواج، إذ اجتهدَت المؤلفةُ في كشف الحقيقة بشكل موضوعيّ علميّ من وجهة نظر علم النفس، بناءً على أبحاث عديدة في موضوعات كثيرة، منها اضطراب القلق، والخجل الاجتماعي، وغيرهما. الكتاب يجعل القارئ يُعيد التفكير في مسألة اختيار شريك الحياة المناسب، ويقدم تفاصيل عن كيفية اختيار شريك الحياة. وأهمّ ما يقدمه هذا الكتاب هو الطريقة المثالية للتعامل مع نفسك من حيث أفكارك وفهم مشاعرك واحتوائها، مما يمهد لك الطريق للتعامل مع الغير على المستوى الاجتماعي والعاطفي.
سوف تتعلم في هذا الكتاب مَن تكون، وما قِيَمُك، وكيف تتصرف في حياتك بناءً على قِيَمِك، وما أهدافُك في العَلاقات، وكيف تضع خطة لتحقيقها. كما ستتعلم كيف تتغلب على الخجل والقلق الاجتماعي الذي يعوق عثورك على شريك الحياة. ويقدم لك دليلًا يوجّهك للتعامل مع شريك الحياة المحتمل، بدءًا من مرحلة التعارف إلى حل المشكلات وطريقة التحدث معه من أجل حوار مثمر، ومشاركة الاهتمامات، حتى التعامل مع رفضك لأحدهم أو رفض أحدهم لك.
تنصح كولاكوسكي بتفعيل اليقظة الذهنية (Mindfulness)، وهي بمثابة العصا السحرية التي إذا مارستها في حياتك بشكل عامّ فستتمكن من احتواء جوهر الحياة، بصرف النظر عن تجاربك إن كانت تتخللها السعادة أو حتى المعاناة. وقد لاحظتُ من خلال قراءاتي في علم النفس وتطوير الذات والاستنارة أن اليقظة الذهنية بلغت من الأهمية في هذه المجالات مدى بعيدًا، حتى إنّ أغلب الكتب تتحدث عنها باعتبارها طريقة لمواجهة المشاعر السلبية من توتر وقلق وخوف وغضب واضطرابات ومختلف صور المعاناة التي نتعرض لها يوميًّا وفي حياتنا بشكل عامّ، فتحدثت عن اليقظة الذهنية Jill Stoddard في كتابها «Be Mighty»، وRuss Harris في كتابه «Act with Love»، وEckhart Tolle في كتابه «The Power of Now»، وDavid Hawkins في كتابه الشهير «Letting Go». فاليقظة الذهنية –التي تُعرف أيضًا بالحضور في اللحظة- هي الطريقة التي يستخدمها متخصصو علم النفس ومعلِّمو الروحانية والتنوير، ليأخذوا بأيدي الناس نحو الانتصار على القلق والخوف والتوتر، لتحقيق السعادة النفسية والاستنارة وعيش الحياة التي نستحقها جميعًا.
اختيار شريك الحياة يجب ألا يُبنى على الحب أو الإعجاب وحدهما، لكن هناك اعتبارات أخرى من أجل عَلاقة صحية سعيدة، مثل الاهتمامات المشتركة، والقدرة على التحدث عن المشكلات بينكما، والارتياح مع الشريك حتى في إظهار ضعفك أمامه، والاستمتاع بقضاء أوقات سعيدة معًا، واحتواء بعضكما بعضًا في السرّاء والضرّاء على حد سواء. وقبل الدخول في عَلاقة عاطفية ينبغي معرفة الشخص لأهدافه من العَلاقة، وقِيَمِه التي يريد أن يعيش بها.