سمع المترجم أوغست قصصًا كثيرة.. وهو جالس يتفيأ أغصاني أو خارج المسجد في الخانات أو على الشاطئ قريبًا من المرفأ حيث تعلو أعلام دول كثيرة سفنًا عظيمة تروح وتجيء. لم يكن في الأصل مغرمًا بالمعتوه نابليون كما ظل يصفه لسنوات طويلة. كان بعكس أبيه وكثير من البولونيين الذين رأوا في نابليون والجيش الفرنسي سند
مرت سنوات عديدة، وحان وقت رحيل البولوني عن يافا. وذات فجر رأيته يدخل المسجد لوحده. اقترب مني بخشوع وقطف زهرات كثيرة. مسح أوراقي الخضراء اللامعة وفرك إحداها بحنان، شمها بعمق ثم غادر دون أن يقول شيئًا. لم أره بعد ذلك. سمعت من أحاديث أحد أصدقائه أنه غادر مع زوجته إبان حكم المصريين إلى مدينة سالونيك في اليونان التي كانت تحارب في سبيل نيل استقلالها من العثمانيين، ليواصل عمله مع الروس ترجمانًا في قنصليتهم هناك.
لقد عاد أوغست من يافا في نهاية المطاف محملًا ببرتقالة قطفها من أغصاني للذكرى، وفضلًا عن تلك البرتقالة اللامعة، عاد محملًا بقناعةٍ راسخة في ذهنه أكثر رسوخًا من جذوري الضاربة عميقًا في تربة المسجد، بقيت تلك القناعة معه إلى نهاية العمر: إن من يظلم بريئًا هناك لا يمكن أن ينتصر لمظلوم هنا.